ما يجري في مصر الآن لا يعبر عن حياة ديمقراطية مستقرة، رغم أن مصر هي من أعرق الدول في الحضارة، وربما في القانون. (وثيقة العهد) التي صاغتها قيادات وأحزاب سياسية رسبت في الانتخابات هي تعبير عن هذه الحالة القلقة أو المضطربة للعملية الديمقراطية.
في البلاد الديمقراطية لا يشترط أحد على أحد، وبحسب الناس هناك أن يقدم الحزب ومرشحه للرئاسة رؤيته، وبرنامجه، وخططه للناخب، وبعدها يقرر الناخب أين يكون صوته. لم نسمع أحدًا، أو مجموعة ناخبة في بريطانيا قد اشترطت شروطًا محددة على حزب العمال أو على حزب المحافظين. هذا لم يحصل هناك البتة، ولم يحصل في فرنسا ولا في أمريكا.
مصر أم الدنيا، تأبى أن تغادر صفتها، فهي أم الدنيا حتى في البدع السياسية، ولكل بدعة سياسية مبرراتها، ووسائل الإعلام التي تنفخ فيها لتجعل البدعة أصلاً من أصول الحياة الراسخة. لست أدري كيف يقف عميد كلية حقوق في جامعة عريقة ليقود فريقًا لحمل رؤيته هو لسياسات رئيس مصر القادم؟! إذ المنطق يقول لماذا لم ترشح أنت أيها العميد نفسك للانتخابات، وتضع تصوراتك وسياساتك تحت الاختبار؟!
لا أعتقد أن مصر الديمقراطية في حاجة إلى (وثيقة عهد) تتضمن مجموعة من السياسات العامة التي قد لا يختلف عليها المرشحان للإعادة. إنما مصر في حاجة إلى وعي ديمقراطي، ورأي عام ناضج، ومجتمع مدني مراقب ومتطور، يكون في مواجهة كل سياسة خاطئة قد يقوم بها المرشح الفائز في الإعادة.
قاعدة العملية الديمقراطية الرئيسة هي الحرية، وقاعدة العلاقة بين المرشح والناخب تقوم على الحرية أيضًا، واشتراط مجموعة من الناس شروطًا على المرشح هي نوع من الإساءة إلى قاعدة الحرية، التي يجب أن تبقى سيدة وحاكمة في اختيار رئيس الجمهورية وغيره من نواب الشعب.
لشفيق، ولمحمد مرسي كامل الحرية في طرح الرؤية والسياسة التي بموجبها سيدير مؤسسة الرئاسة والحكم والاقتصاد والتعليم وغيرها، ولكل مواطن مصري الحرية الكاملة في الاختيار، ولا صحة لما يقوله الإعلام المضلل للناخب إنك مضطر للاختيار بين سيئ وأسوأ، فهذا قول مرسل يدل على هوى وفساد، لأن الشعب المصري لا يبحث عن السيئ ليتفادى الأسوأ، وإنما يبحث عن الجيد الرائع الذي يملك القدرة على إنقاذ البلد، ويؤمن بتحقيق أهداف الثورة.
(وثيقة العهد) وإن كانت ذات مضامين جيدة، فهي ليست ديمقراطية، وهي اشتراطات لفئة ليس لها مرشح في انتخابات الإعادة تحاول من خلالها ممارسة الابتزاز، والقول للمرشحين نحن هنا، ونحن نملك القرار، وعليكم الإجابة على مطالبنا، وحتى إذا استجبتما فنحن نملك حرية التصرف بأصواتنا، نعطيكم، أو لا نعطيكم؟! ونحن نقول ما دام الأمر كذلك فدعوا المرشحين يتنافسان في طرح رؤيتهما، وفي طرح برامجهما، وفي تشكيل فريقيهما، وأنتم لكم الحرية بتأييد أحدهما، أو الاحتجاج عليهما بالجلوس في البيت وعدم المشاركة في التصويت احتجاجًا.
إنه لمن المؤسف أن تعيش فرنسا وبريطانيا حياة ديمقراطية مستقرة، وتفتقد مصر، البلد الأعرق حضارة هذه الديمقراطية المستقرة، والمؤسف أن يشارك الإعلام، وقادة في لعبة تزييف مضللة للرأي العام تحت اسم وثيقة العهد وخلافها، وعندهم حلول أكثر ديمقراطية من وثيقتهم.
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية