وضع النقاط فوق الحروف في مصر قبل أن ينادى ولات حين مناص
د. أسامة أبو ارشيد
ما نعلمه يقينا، أنه ما من أحد لا في السلطة ولا في المعارضة-وينسحب ذات الأمر على المراقبين-يعلم إلى أين تسير الأمور في مصر. فالمعارضة التي تولت كبرها ناشرة الفوضى والانفلات الأمني في مسعى منها لإسقاط شرعية رئيس منتخب شعبيا عبر احتجاجات واعتصامات ومظاهرات وحملات جمع تواقيع لعزل الرئيس الدكتور محمد مرسي يبدو أنها غير معنية بـ"هدم المعبد"، أي مصر، على رؤوس الجميع إن لم يتحقق مطلبها التعجيزي. وهي في سبيل ذلك لم تتردد في توفير الغطاء لفلول النظام السابق والبلطجية لإعادة إنتاج وتقديم أنفسهم كمعارضة مصرية مشروعة، وهم في حقيقتهم مرض من أمراض مصر.
كما أن هذه المسماة معارضة سواء أجمعها إطار ما يسمى بـ"جبهة إنقاذ مصر" أم "تمرد" والتي تتوسل العلمانية والليبرالية والمدنية لا تتورع عن الشحن الطائفي عبر تحالفها المقيت والخطير مع الكنيسة القبطية في أفق تحشيد المزيد من الأنصار الكارهين للإسلام في الشارع، فضلا عن أنها لا تتورع عن توسل الجيش لقيادة انقلاب على الشرعية الدستورية والشعبية!
ما توصف بالمعارضة في مصر في مجملها وغالبها ليست معارضة وطنية حقيقية. إنها ليست معارضة إصلاح أو تصويب وتسديد، بقدر ما أنها معارضة تخريب وهدم.
ولم يعد من قبيل كشف السر القول بأن تلك الموسومة بالمعارضة تتلقى في غالبها تمويلا بعضه خليجي وإيراني مشبوه، ودعما وتخطيطا إسرائيليا لمحت له وزيرة العدل الإسرائيلية تسيفي ليفيني في تصريحات لها مؤخرا، وتلاعبا أمريكيا على كل الحبال، فضلا عن تآمر من فلول النظام السابق في المؤسسات الأمنية والعسكرية والإعلامية والقضائية والاقتصادية.. الخ.
ما يجمع أولئك كلهم أمران: الأول ضمان أن تبقى مصر مكبلة ومرهونة الإرادة وتبعا لبعض الدول الخليجية، فضلا، طبعا، عن إسرائيل والولايات المتحدة. فهم لا يريدون لمصر أن تسترد عافيتها وأن تستعيد دورها القومي والمحوري في الفضاء العربي والذي تراجع وتبخر تحت عقود عجاف من حكم السادات ومبارك.
أما الأمر الثاني فيتمثل بكراهتهم وعدائهم للإسلام الحركي بفهمه الشامل والفاعل والبناء. فتفاعل مصر بحجمها ومكانتها ومقدراتها مع هذا الفهم الحركي الديناميكي للإسلام يعني أن كثيرا من المعادلات في المنطقة ستتغير، ومن ثمّ تجدهم يتفقون على إبقاء حالة الفوضى والشلل والفلتان الأمني والسعي لحرمان مؤسسة الرئاسة المصرية ممثلة بشخص الرئيس مرسي من التقاط الأنفاس والتخطيط الهادئ والبناء لمصر الغد. وطبعا فإن الإعلام والقضاء والتمرد في صفوف الأمن والرسائل المتناقضة التي تصدر عن المؤسسة العسكرية، فضلا عن المظاهرات والتخريب، كلها أدوات توظف ضمن هذا المسعى والذي هو في محصلته يجهض مصر أكثر فأكثر ويدمر أسس دولتها.
في المقابل، فإنه من الواضح أن مؤسسة الرئاسة، المؤسسة الشرعية الوحيدة المنتخبة، ومعها مجلس الشورى صاحب "نصف الشرعية" المغتالة بقرار من القضاء الفلولي، يعانيان من فقدان الوزن والاتزان. فالضربات المتلاحقة وخروج غالب مؤسسات الدولة السيادية من أيديهما يضعهما في موقف لا يحسدان عليه. فهما أقرب إلى من يسود دون أن يحكم. وهكذا فهما يتحملان مسؤولية الفوضى والانفلات والتمرد دون أن يكون لهما أدنى سلطة حقيقية على أجهزة الدولة لفرض هيبة القانون والدولة.
وهكذا يجد الرئيس مرسي نفسه مضطرا إلى الاستناد إلى قاعدته التنظيمية والشعبية الصلبة التي يمثلها الإخوان والإسلاميون-(باستثناء قيادة حزب النور السلفي المرتهن في قراراته لجهاز مخابرات بلد خليجي يموله ويمول أنشطته، والدكتور عبد المنعم أبو الفتوح المنقاد بغريزة الثأر الشخصي من الإخوان بعد استبعادهم له من هرم القيادة في تنظيمهم)-عموما أمام تحشيد الأطراف الأخرى وتواطؤ الأجهزة السيادية معهم.
في المحصلة فإن الصراع هو على مصر ومكانتها وهوية وموقع الإسلام فيها لا على كرسي الرئاسة الذي يجلس عليه الرئيس مرسي. فثمة من لا يريد خيرا بمصر، وثمة من لا يريد مصرا قوية سواء أحكمها إسلامي أم علماني، مدني أم عسكري. وأما أولئك الذي يزعمون أنهم معارضون والذي يحشدون لما يصفونه بيوم "استكمال الثورة" في الثلاثين من هذا الشهر فهم ليسوا أكثر من بيادق تافهة يحركها ذات من كانوا يحركون في الأمس بيادق الفلول من أعراب وعجم وبني صهيون.
أمام هذا كله، ليس أمام الرئيس مرسي والإسلاميين ومحبي مصر من كل التيارات والاتجاهات إلا مصارحة الشعب بحقيقة وحجم المؤامرة التي تدبر لمصر، وليتركوا لهم أمر الدفاع عن مصرهم ووطنهم. بدون هذا، وبدون الارتكاز في عمق الشعب المصري الطيب ستضيع مصر. فلن يحمي مصر إلا أبناؤها ولن يمنع انقلابا عسكريا إلا إرادة شعب.
نتمنى أن نسمع خطابا جديدا من الرئيس مرسي-على غير غرار خطاباته السابقة-يضع فيه النقاط فوق الحروف قبل الثلاثين من هذا الشهر قبل أن ينادى ولات حين مناص.
د. أسامة أبو ارشيد
ما نعلمه يقينا، أنه ما من أحد لا في السلطة ولا في المعارضة-وينسحب ذات الأمر على المراقبين-يعلم إلى أين تسير الأمور في مصر. فالمعارضة التي تولت كبرها ناشرة الفوضى والانفلات الأمني في مسعى منها لإسقاط شرعية رئيس منتخب شعبيا عبر احتجاجات واعتصامات ومظاهرات وحملات جمع تواقيع لعزل الرئيس الدكتور محمد مرسي يبدو أنها غير معنية بـ"هدم المعبد"، أي مصر، على رؤوس الجميع إن لم يتحقق مطلبها التعجيزي. وهي في سبيل ذلك لم تتردد في توفير الغطاء لفلول النظام السابق والبلطجية لإعادة إنتاج وتقديم أنفسهم كمعارضة مصرية مشروعة، وهم في حقيقتهم مرض من أمراض مصر.
كما أن هذه المسماة معارضة سواء أجمعها إطار ما يسمى بـ"جبهة إنقاذ مصر" أم "تمرد" والتي تتوسل العلمانية والليبرالية والمدنية لا تتورع عن الشحن الطائفي عبر تحالفها المقيت والخطير مع الكنيسة القبطية في أفق تحشيد المزيد من الأنصار الكارهين للإسلام في الشارع، فضلا عن أنها لا تتورع عن توسل الجيش لقيادة انقلاب على الشرعية الدستورية والشعبية!
ما توصف بالمعارضة في مصر في مجملها وغالبها ليست معارضة وطنية حقيقية. إنها ليست معارضة إصلاح أو تصويب وتسديد، بقدر ما أنها معارضة تخريب وهدم.
ولم يعد من قبيل كشف السر القول بأن تلك الموسومة بالمعارضة تتلقى في غالبها تمويلا بعضه خليجي وإيراني مشبوه، ودعما وتخطيطا إسرائيليا لمحت له وزيرة العدل الإسرائيلية تسيفي ليفيني في تصريحات لها مؤخرا، وتلاعبا أمريكيا على كل الحبال، فضلا عن تآمر من فلول النظام السابق في المؤسسات الأمنية والعسكرية والإعلامية والقضائية والاقتصادية.. الخ.
ما يجمع أولئك كلهم أمران: الأول ضمان أن تبقى مصر مكبلة ومرهونة الإرادة وتبعا لبعض الدول الخليجية، فضلا، طبعا، عن إسرائيل والولايات المتحدة. فهم لا يريدون لمصر أن تسترد عافيتها وأن تستعيد دورها القومي والمحوري في الفضاء العربي والذي تراجع وتبخر تحت عقود عجاف من حكم السادات ومبارك.
أما الأمر الثاني فيتمثل بكراهتهم وعدائهم للإسلام الحركي بفهمه الشامل والفاعل والبناء. فتفاعل مصر بحجمها ومكانتها ومقدراتها مع هذا الفهم الحركي الديناميكي للإسلام يعني أن كثيرا من المعادلات في المنطقة ستتغير، ومن ثمّ تجدهم يتفقون على إبقاء حالة الفوضى والشلل والفلتان الأمني والسعي لحرمان مؤسسة الرئاسة المصرية ممثلة بشخص الرئيس مرسي من التقاط الأنفاس والتخطيط الهادئ والبناء لمصر الغد. وطبعا فإن الإعلام والقضاء والتمرد في صفوف الأمن والرسائل المتناقضة التي تصدر عن المؤسسة العسكرية، فضلا عن المظاهرات والتخريب، كلها أدوات توظف ضمن هذا المسعى والذي هو في محصلته يجهض مصر أكثر فأكثر ويدمر أسس دولتها.
في المقابل، فإنه من الواضح أن مؤسسة الرئاسة، المؤسسة الشرعية الوحيدة المنتخبة، ومعها مجلس الشورى صاحب "نصف الشرعية" المغتالة بقرار من القضاء الفلولي، يعانيان من فقدان الوزن والاتزان. فالضربات المتلاحقة وخروج غالب مؤسسات الدولة السيادية من أيديهما يضعهما في موقف لا يحسدان عليه. فهما أقرب إلى من يسود دون أن يحكم. وهكذا فهما يتحملان مسؤولية الفوضى والانفلات والتمرد دون أن يكون لهما أدنى سلطة حقيقية على أجهزة الدولة لفرض هيبة القانون والدولة.
وهكذا يجد الرئيس مرسي نفسه مضطرا إلى الاستناد إلى قاعدته التنظيمية والشعبية الصلبة التي يمثلها الإخوان والإسلاميون-(باستثناء قيادة حزب النور السلفي المرتهن في قراراته لجهاز مخابرات بلد خليجي يموله ويمول أنشطته، والدكتور عبد المنعم أبو الفتوح المنقاد بغريزة الثأر الشخصي من الإخوان بعد استبعادهم له من هرم القيادة في تنظيمهم)-عموما أمام تحشيد الأطراف الأخرى وتواطؤ الأجهزة السيادية معهم.
في المحصلة فإن الصراع هو على مصر ومكانتها وهوية وموقع الإسلام فيها لا على كرسي الرئاسة الذي يجلس عليه الرئيس مرسي. فثمة من لا يريد خيرا بمصر، وثمة من لا يريد مصرا قوية سواء أحكمها إسلامي أم علماني، مدني أم عسكري. وأما أولئك الذي يزعمون أنهم معارضون والذي يحشدون لما يصفونه بيوم "استكمال الثورة" في الثلاثين من هذا الشهر فهم ليسوا أكثر من بيادق تافهة يحركها ذات من كانوا يحركون في الأمس بيادق الفلول من أعراب وعجم وبني صهيون.
أمام هذا كله، ليس أمام الرئيس مرسي والإسلاميين ومحبي مصر من كل التيارات والاتجاهات إلا مصارحة الشعب بحقيقة وحجم المؤامرة التي تدبر لمصر، وليتركوا لهم أمر الدفاع عن مصرهم ووطنهم. بدون هذا، وبدون الارتكاز في عمق الشعب المصري الطيب ستضيع مصر. فلن يحمي مصر إلا أبناؤها ولن يمنع انقلابا عسكريا إلا إرادة شعب.
نتمنى أن نسمع خطابا جديدا من الرئيس مرسي-على غير غرار خطاباته السابقة-يضع فيه النقاط فوق الحروف قبل الثلاثين من هذا الشهر قبل أن ينادى ولات حين مناص.
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية