ومضى عهد الأحرار
بقلم: مصطفى الصواف
بقلم: مصطفى الصواف
عندما نظرت في الصفقة وما تحقق منها وعدت إلى الوراء قليلاً ونظرت في الموقف الأول لكتائب القسام وحركة حماس في الشروط التي وضعت من أجل إتمام الصفقة لم أجد أن هناك تغيرات كبيرة بين ما طرح في بداية الحديث عن الصفقة وبين ما تحقق من الصفقة.
التفاوض معركة تتم بين المتفاوضين يتم في بدايتها وضع سقف عال للتفاوض، وفي المقابل هناك حد أدنى لو وصلت إليه المفاوضات عندها لا يمكن قبول ما هو أدنى.
لعل الشرط الأول كان أن تشمل هذه الصفقة الأحكام العالية ومن أمضوا في السجون سنوات طويلة، هذا الشرط أيضا كان فيه حدود وهو أن الأسرى أصحاب الأحكام العالية حديثي الحكم يمكن أن لا تشملهم الصفقة لأن هناك محكومين قدامى كانت لهم الأفضلية، ولكن لا يعني ذلك عدم المطالبة بهم في أيام التفاوض الأولى، لذلك لم يكن غريباً أن يتم التوقيع على الصفقة دون أن تشتمل بعض القيادات الفصائلية من أصحاب الأحكام العالية ممن حوكموا بعد عام 2003.
قضية الإبعاد إلى قطاع غزة أو الخارج كانت أيضا من القضايا المطروحة حتى قبل الدخول في المفاوضات مع الاحتلال الإسرائيلي وكان موقف حماس وكتائب القسام عدم الاستجابة بسهولة لو طلب الاحتلال إبعاد عدد من الأسرى، وكان الاتفاق إن أي إبعاد لأي أسير لن يتم إلا بعد العودة إليه وموافقته على الإبعاد، وهذا ما حدث خلال فترة التفاوض وتصلب حماس أمام هذا البند، وبعد التشاور مع الأسرى وموافقتهم على الإبعاد وافقت حماس على هذا البند وعملت بكل السبل من أجل تحجيم هذا الإبعاد والتقليل منه، وكانت النظرة أن الإبعاد إلى قطاع غزة ليس إبعاداً وإن كانت الرغبة أن يعود كل أسير إلى بيته، ولكن كان الطرح أن يبقى الأسير في السجن أو أن يبعد إلى قطاع غزة أو حتى إلى أي دولة عربية أو إسلامية، فكان القرار القبول بالإبعاد المحدد زمنياً إلى قطاع غزة، رغم أن حماس تدرك والأسرى كذلك أن المحتل قد لا يلتزم بالاتفاق كما جرى مع المبعدين من كنيسة المهد.
قاتلت حماس من أجل تخفيض العدد من المبعدين وخاصة من كانت تصر (إسرائيل) على إبعادهم إلى الخارج من مائتين حتى وصل العدد إلى أربعين كما هو المعلن وتم استبدال الإبعاد إلى الخارج ليكون في قطاع غزة، وهذا بالفعل ما حدث فكانت الصفقة وكانت الفرحة التي عمت الوطن كل الوطن.
أسرى القدس والداخل الفلسطيني كانوا محطة للقتال الكبير بين حماس والاحتلال الذي استمات من أجل أن لا تشمل الصفقة أيًا منهم كونها تعتبر أن هؤلاء الأسرى هم مواطنون إسرائيليون، ولكن أمام إصرار حماس على اشتمالهم للصفقة خضع الاحتلال فكان هناك شمول الجغرافية إلى جانب شمول الصفقة لكل الطيف الفلسطيني السياسي لأن المعيار ليس فصائليا ولكنه معيار مهني يتعلق بأصناف معينة ومحددة من الأسرى، ومن تنطبق عليه هو ضمن الصفقة.
نقطة مهمة وهي أن القائمة الأولى التي تشمل أسرى الدفعة الأولى كانت مقدمة من حماس مع وجود هامش للاختيار وفق المعيار ولم يترك للعدو الإسرائيلي أن يحدد هو من سيتم الإفراج عنهم ولكن إن اعترض على البعض يمكن أن يعاد الاختيار من الأسماء المقترحة لا أن يختار هذا العدو من يريد وهذه نقطة أيضا قاتل المفاوض الفلسطيني فيها حتى تم تثبيتها ولم يتم اختيار أي من الأسرى المفرج عنهم من خارج القوائم المقدمة من المقاومة.
هذا جزء من معركة التفاوض مع العدو وهناك تفاصيل ربما أكثر وأغرب قد يتحدث بها فريق التفاوض في الأيام القادمة وستكون تفاصيلها مذهلة وليس كما تروج له الصحف العبرية وتحاول بعض وسائل الإعلام الجري المضلل خلفها واعتبارها حقائق في محاولة لتشويش الموقف الفلسطيني وإظهار المفاوض بالتنازل والخضوع للاحتلال في محاولة للتقليل من أهمية الصفقة بشكل مخالف للحقيقة والواقع بشهادة كبار المحللين والصحفيين الصهاينة الذين عبروا من خلال ما كتبوه أن هذه الصفقة نصر للمقاومة التي فرضت شروطها وفي نفس الوقت شكلت تآكلاً كبيراً في قوة الردع الإسرائيلية، وأن هذه الصفقة فتحت الباب على إمكانية تنفيذ عملية اختطاف جديدة طالما أن نتائجها بهذه القوة.
ربما مقالات قادمة نوضح فيها بعض الخفايا الحقيقية للتفاوض على لسان من قاد أفضل عملية تفاوض مع العدو بحيث كان التفاوض مهنيًا ومحترفًا ومنطلقًا من قوة الحجة والمنطق، فكانت النتائج وفق ما وعدت به القسام وحماس.
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية