ويبقى خيار إسرائيل عسكرياً ... بقلم : علي جرادات

الأحد 22 يناير 2012

ويبقى خيار إسرائيل عسكرياً

علي جرادات
ليس رغماً عن استعلائية التجار اليهود الممزوجة بخرافات تميُّز العرق وتفوقه، بل بفضلها تعرَّض معتنقو اليهودية لاضطهاد، استعملته الحركة الصهيونية، بدعم استعماري غربي، غطاءً لتنفيذ أبشع عملية سطو سياسي في العصر الحديث.

واليوم، ليس رغماً عن نظامها السياسي العدواني التوسعي، وعنجهية قادتها، بل بفضلهما، تواجه "إسرائيل" تحديات استراتيجية جديدة، أفرزتها تطورات المنطقة العاصفة، لتضاف إلى، وتتداخل مع، تحديات قديمة، أصلها ومفجرها الأساس الصراع السياسي المفتوح مع الفلسطينيين الذي تعذر على قادتها حسمه بخيارهم الأمني والعسكري، رغم فظاعة ما ارتكبوه بحق فلسطين وشعبها من تطهير عرقي، ناهيك عن بشاعة ما قاموا به ضد محيطها القومي، وغلافها الإقليمي، من حروب واعتداءات وتوسُّع وتخريب.

بل وظل هذا الصراع يشهد ما لا يحصى من التقلبات في الوتيرة والأشكال والجهات المشاركة والمنخرطة فيه، بشكل مباشر أو غير مباشر، بما يؤكد حقيقة أن القضية الفلسطينية هي جوهر الصراع العربي الصهيوني، الذي لن يُكْتبَ له تسوية مستقرة من دون إيجاد تسوية عادلة لها.
في هذا التفسير الواقعي النافي لمزاعم قادة "إسرائيل" المدعومة أمريكياً، يكمن السبب الفعلي لما يواجهه كيانهم هذه الأيام من تحديات استراتيجية، بكل ما تنتجه من حالات قلقٍ وانعدام يقين، أيديولوجياً وسياسياً وأمنياً وعسكرياً، تحتاج إلى معالجات سياسية، أساسها العدل والتوازن، على الأقل، وفقاً لمنظور القانون الدولي وشرعيته وقراراته.

لكن هذه التحديات لم تدفع قادة "إسرائيل" الرافضين لخيار الحلول والتسويات السياسية، إلا إلى الإمعان في خيارهم الأمني والعسكري، حيث قرروا تسوير كيانهم بالجدران العازلة، وتكثيف عمليات الاستيطان والتهويد للأرض الفلسطينية، والتباري في إطلاق التهديدات، وآخرها تهديد رئيس هيئة أركان الجيش "الإسرائيلي"، بيني غانتس، بقدرة جيشه على تكرار سيناريو حرب عام 1967.

هذا تصريح، (كما تصريحات عدة أخرى مشابهة)، خطر، سواء لجهة تشخيصه لمستوى التحديات وطبيعتها وكيفية التفكير لمعالجتها، أو لجهة ما يوحي به من إعداد واستعداد أمني وعسكري عملياتي، يُحتِّم طابعهما الاستراتيجي، تنسيقهما مع الدول الغربية عموماً، ومع الولايات المتحدة تحديداً، أو لجهة انطوائه على أن الراهن السياسي القلق والمأزوم ل"إسرائيل"، عدا الطبيعة العدوانية لتفكير قادتها لمعالجته، يدفعها، فعلاً، إلى معالجة تحدياتها بشن المزيد من الحروب والاعتداءات، وإلى الطلب من الولايات المتحدة وحلفائها تغطيتها ودعمها، في حال كانت ضد غزة أو لبنان، (مثلاً)، وإلى دفْعِ حلف الناتو، بقيادة الولايات المتحدة، إلى الدخول مباشرة في حرب ضد إيران، من شأنها ألا تشعل منطقة الخليج فقط، بل وكامل منطقة الشرق الأوسط أيضاً.

وثمة في مداولات الغرف الأمنية "الإسرائيلية" المغلقة ما يعزز هذا التحليل. فوفقاً لتسريبات صحافية، فإن رئيس أركان الحرب الصهيوني، وقبل إطلاقه لتصريحه العلني المشار إليه أعلاه، كان قد تحدث مطولاً أمام أعضاء لجنة الخارجية والأمن التابعة "للكنيست"، ولعل أبرز ما قاله: ""إسرائيل" مقبلة على سنة جديدة مجهولة المعالم، ومملوءة بالتحديات والتحولات الاستراتيجية، ما يستدعي الاستعداد بشكل مغاير".

و"المبادرة في المنطقة العربية بيد الآخرين، وهي ليست في مصلحتنا، ونحن فقط نتعقب العمليات الإقليمية". و"التهديد الإيراني دائم ومتنام، والضغوط الدولية تؤثر في إيران، لكنها لن تحملها على التخلي عن برنامجها النووي". و"لست واثقاً من أن هضبة الجولان ستبقى هادئة، بل، يمكن للأسد أن يعمل ضدنا لإنقاذ نظامه، الذي يمتلك صورايخ ياخوت القادرة على تدمير السفن البحرية، وصواريخ ( si17 ) القادرة على مواجهة سلاح الجو لدينا".

و"التهديد من لبنان ازداد خمسة أضعاف عن الماضي، بل ويحتمل أن تنتقل وسائل قتالية استراتيجية من سوريا إلى حزب الله". و"تدفُّق الأسلحة إلى غزة زاد بنسبة 15 إلى 20% في عام 2011، مقارنة مع عام 2010، وأن صواريخ متطورة اختفت من المستودعات الليبية، قد تكون هُرِّبت إليها، ما يزيد احتمال جولة قتالية أخرى هناك". و"الحدود مع مصر باتت تشكل تحدياً للجيش، وسيناء أصبحت منطقة "إرهابية" من دون مراقبة".

و"يجب التكيف مع المستجدات في العالم العربي، ومحاولة احتواء الحركات الإسلامية بمساعدة الحليفة الاستراتيجية، الولايات المتحدة، ويجب التركيز بذكاء على خلاف إيران الشيعية مع الإخوان المسلمين السنة".

عليه، فإن على كلِّ معنيٍ بالتصدي الجاد ل"إسرائيل"، ألا يستخف بالوجهة العدوانية لقادتها، وأن يقرأ بدقة أكثر الأهداف الحقيقية لكثافة اللقاءات العسكرية والأمنية الأمريكية "الإسرائيلية" المشتركة، التي يصعب تصديق إشاعة أن هدفها إقناع قادة "إسرائيل" بعدم مهاجمة إيران، بل وينطوي توقيتها السياسي على اندراجها في إطار التنسيق العسكري والأمني الاستراتيجي المشترك لمواجهة تطورات المنطقة.

قصارى القول، إزاء الراهن السياسي ل"إسرائيل"، وفي ضوء عدوانية قادتها لمعالجته، يصبح من غير المهم الانشغال في خبر التهديدات "الإسرائيلية"، من قبيل الوقوف على مقدار ما فيها من تهويل، أو من قبيل الإجابة عن سؤال: متى وأين وكيف سيجري تنفيذها؟ بل يصبح المهم والحالة هذه، هو التركيز على المبتدأ السياسي لهذه التهديدات، المتمثل في استبعاد قادة "إسرائيل"، معالجة تطورات المنطقة، بخيار التسويات السياسية، ما يعني فتْحَ الباب واسعاً أمام تقدُّم ترجمات خيارهم الأمني والعسكري المعهود، بمعزل عن متى وأين وكيف، بل ويعني أنهم قرروا حثَّ الولايات المتحدة وحلفائها على تبني هذا الخيار، وتسريع اللجوء إليه، بمعزل عن تكتيكات استباقه بإجراءات العزل السياسي والعقوبات الاقتصادية، وتشديدها، ضد إيران وسوريا وفلسطين ولبنان.

وهذا ما كشفه نتنياهو في حديثه عن هذه التطورات، أمام اجتماع لجنة الخارجية والأمن للكنيست بالقول: "إنه ثبت أن اتباع جانب الحذر في ما يخص التسوية السياسية كان صواباً، وأن الأوضاع متفجرة، وأن ما كان في عهد مبارك والسادات لن يكون".


صحيفة الخليج الإماراتية

جبل يدعى حماس
سأموت ولكن لن ارحل
يا رب انت العالم
يوم تجثو كل أمّــة
علم .. مقاومة .. حرية

الشبكات الاجتماعية

تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية

القائمة البريدية