يوبيل "فتح".. ذهبٌ وصدأ
عدلي صادق
خمسون عاماً مضت على انطلاقة حركة فتح. في هذه الذكرى، يُوضع الذهب على الألسنة، بشفاعة نصف القرن. هو يوبيل الفكرة المفْخرة والذكرى النبيلة، فلا هو كأس ولا أيقونة ولا شيء ملموس في الراهن. وللمفارقة، اليوبيل أصلاً، ابن الوهم والخرافة والتوراة. خانَهُ الصهيونيون اليهود، أكثر مما خانه سواهم. ذلك لأن سنة اليوبيل، في سِفْر اللاويين (أحد الأسفار الخمسة المؤسسة لشريعة اليهود) هي سنة إطلاق المسجونين وإعتاق العبيد وإسقاط الديون عن الذين أثقلتهم أعباؤها، لكي تظلل رحمة الله المكان والناس!
خمسون عاماً. لنا من حكايا ذلك الشوط الطويل ذَهَب الذكرى، ونلمس في الواقع صدأ الحال الراهنة. ولمّا كانت مواعيد اليوبيلات تُعرف قبل حلولها، فإن "فتح" لم تتهيأ ولم تتزيّن لموعد يوبيلها الذهبي، قبل أن يحل في الفاتح من يناير/كانون الثاني 2015. لم تقشط عن سطحها الصدأ لكي تستعيد اللمعان، ولم تسعَ إلى إعادة الاعتبار لنفسها لكي تستعيد ألَقها وهيبتها حركةً رائدة. فقد ظلت الأطر الُعليا عاجزةً عن إثبات جدارتها، أو إثبات حتى أهليتها لأن تكون في موضع الاستشارة، لا الحسم، في الشؤون المصيرية. ثم لا خطة لشيء عند "فتح"، ولا رؤية ليوم واحد، ولا استعادة لفكرة التكليف التي تدحض فكرة التشريف. فحتى المؤتمر العام السابع المنتظر الذي يُفترض أن يكون مناسبة للمساءلة والحساب والتقييم والتقويم، لضمان الديمومة؛ فإن القائمين على الحال يتعاطون أمره باعتباره حدثاً انتخابياً بلا برامج، تتخطفه الأسماء والتربيطات، للوصول إلى "المركزية" و"المجلس الثوري" ثم كفى الله الناهضين شر النهوض. فلا مشكلة، بعدئذٍ، في كيفية أداء هذين الإطارين، أو في وزنيْهما على صعيد دائرة اتخاذ القرار، طالما تحققت الوجاهة المبتغاة، وهي موهومة على أية حال!
قاعدة فتح العريضة ترى الأمور بمنظار آخر. فالفتحاويون، في يوبيل الذهب والصدأ، يجددون العهد والوفاء للراحلين على طريق الاستقلال والحرية، فكأنما شوط العطاء الطويل يأخذ، مجدداً، مداه في الوعي، وفي التقدير الملائم للسياسات والمواقف، باعتبار أن الحركة التي سلخت من العمر هذه السنين ما تزال صيغة التوافق الأمثل التي تستقطب القدرات والجهود والعقول والاجتهادات وألوان الطيف، لكي لا تتقيد الحركة الوطنية الفلسطينية بأحكام وضوابط ورؤى الحزب أو الجماعة أو الشريحة، أو بقواعد الإيديولوجيات الاجتماعية التي يتوجب أن تتنافس في بلد مستقل!
في يوبيل الذهب والصدأ، لا بد من وِقفة طويلة من التأمل، لفحص الوقائع القريبة، في سعي لا يفتر، إلى استكشاف سبل إنهاض رافعة الكفاح الوطني، بعد أن بهُتت أو تعفّرت بغبار "أوسلو" وتداعياتها، وبحكم الإخفاق في بناء كيانيةٍ رصينةٍ ذات مؤسسات راسخة ومقتدرة. فالتحديات الماثلة، الآن، أمام الشعب الفلسطيني، تستوجب، من حيث الخطورة والتعقيد، حسماً للخيارات، على قاعدة رفض الرضوخ لمحاولات العدو أن يرسم فصل الختام، لحكاية الثورة وملحمتها، بإحالة الفلسطينيين إلى زوايا اليأس والعجز، والامتثال المعيب لمتطلباته الأمنية.
فمنذ اللحظة الأولى لانتفاضة الأقصى، بدا واضحاً أن عُتاة العنصريين، الذين يحكمون في إسرائيل، فشلوا في تحويل قاعدة حركة فتح إلى جسم يحرس أمنهم، أو يتقبل وجودهم الاستيطاني. وكان بالإمكان أن يكون الأداء الفلسطيني، وأن تكون العلاقات الداخلية الفلسطينية، أفضل كثيراً، لو أن القوى الفلسطينية توافقت على استراتيجية عمل كفاحي واحدة، تمتزج فيها المقاومة بالسياسة، وردود الأفعال بالرؤية، لكي يتمكن الفلسطينيون من تحويل تضحياتهم إلى أوراق رابحة.
في الذكرى الخمسين لانطلاقة "فتح"، لم يعد يليق بالحركة أن تصبر على صدأ يعتريها. المقبل من الأيام هو الذي سيحدّد أي نوع من الحال ينبغي لها أن تختار. فالطريق طويل والرمل كثير والعمر قصير، ولن يفعل مناضلو "فتح" شيئاً إن فشلوا في الحفاظ على الحركة التي تشبههم ويفخرون بها!
خمسون عاماً مضت على انطلاقة حركة فتح. في هذه الذكرى، يُوضع الذهب على الألسنة، بشفاعة نصف القرن. هو يوبيل الفكرة المفْخرة والذكرى النبيلة، فلا هو كأس ولا أيقونة ولا شيء ملموس في الراهن. وللمفارقة، اليوبيل أصلاً، ابن الوهم والخرافة والتوراة. خانَهُ الصهيونيون اليهود، أكثر مما خانه سواهم. ذلك لأن سنة اليوبيل، في سِفْر اللاويين (أحد الأسفار الخمسة المؤسسة لشريعة اليهود) هي سنة إطلاق المسجونين وإعتاق العبيد وإسقاط الديون عن الذين أثقلتهم أعباؤها، لكي تظلل رحمة الله المكان والناس!
خمسون عاماً. لنا من حكايا ذلك الشوط الطويل ذَهَب الذكرى، ونلمس في الواقع صدأ الحال الراهنة. ولمّا كانت مواعيد اليوبيلات تُعرف قبل حلولها، فإن "فتح" لم تتهيأ ولم تتزيّن لموعد يوبيلها الذهبي، قبل أن يحل في الفاتح من يناير/كانون الثاني 2015. لم تقشط عن سطحها الصدأ لكي تستعيد اللمعان، ولم تسعَ إلى إعادة الاعتبار لنفسها لكي تستعيد ألَقها وهيبتها حركةً رائدة. فقد ظلت الأطر الُعليا عاجزةً عن إثبات جدارتها، أو إثبات حتى أهليتها لأن تكون في موضع الاستشارة، لا الحسم، في الشؤون المصيرية. ثم لا خطة لشيء عند "فتح"، ولا رؤية ليوم واحد، ولا استعادة لفكرة التكليف التي تدحض فكرة التشريف. فحتى المؤتمر العام السابع المنتظر الذي يُفترض أن يكون مناسبة للمساءلة والحساب والتقييم والتقويم، لضمان الديمومة؛ فإن القائمين على الحال يتعاطون أمره باعتباره حدثاً انتخابياً بلا برامج، تتخطفه الأسماء والتربيطات، للوصول إلى "المركزية" و"المجلس الثوري" ثم كفى الله الناهضين شر النهوض. فلا مشكلة، بعدئذٍ، في كيفية أداء هذين الإطارين، أو في وزنيْهما على صعيد دائرة اتخاذ القرار، طالما تحققت الوجاهة المبتغاة، وهي موهومة على أية حال!
قاعدة فتح العريضة ترى الأمور بمنظار آخر. فالفتحاويون، في يوبيل الذهب والصدأ، يجددون العهد والوفاء للراحلين على طريق الاستقلال والحرية، فكأنما شوط العطاء الطويل يأخذ، مجدداً، مداه في الوعي، وفي التقدير الملائم للسياسات والمواقف، باعتبار أن الحركة التي سلخت من العمر هذه السنين ما تزال صيغة التوافق الأمثل التي تستقطب القدرات والجهود والعقول والاجتهادات وألوان الطيف، لكي لا تتقيد الحركة الوطنية الفلسطينية بأحكام وضوابط ورؤى الحزب أو الجماعة أو الشريحة، أو بقواعد الإيديولوجيات الاجتماعية التي يتوجب أن تتنافس في بلد مستقل!
في يوبيل الذهب والصدأ، لا بد من وِقفة طويلة من التأمل، لفحص الوقائع القريبة، في سعي لا يفتر، إلى استكشاف سبل إنهاض رافعة الكفاح الوطني، بعد أن بهُتت أو تعفّرت بغبار "أوسلو" وتداعياتها، وبحكم الإخفاق في بناء كيانيةٍ رصينةٍ ذات مؤسسات راسخة ومقتدرة. فالتحديات الماثلة، الآن، أمام الشعب الفلسطيني، تستوجب، من حيث الخطورة والتعقيد، حسماً للخيارات، على قاعدة رفض الرضوخ لمحاولات العدو أن يرسم فصل الختام، لحكاية الثورة وملحمتها، بإحالة الفلسطينيين إلى زوايا اليأس والعجز، والامتثال المعيب لمتطلباته الأمنية.
فمنذ اللحظة الأولى لانتفاضة الأقصى، بدا واضحاً أن عُتاة العنصريين، الذين يحكمون في إسرائيل، فشلوا في تحويل قاعدة حركة فتح إلى جسم يحرس أمنهم، أو يتقبل وجودهم الاستيطاني. وكان بالإمكان أن يكون الأداء الفلسطيني، وأن تكون العلاقات الداخلية الفلسطينية، أفضل كثيراً، لو أن القوى الفلسطينية توافقت على استراتيجية عمل كفاحي واحدة، تمتزج فيها المقاومة بالسياسة، وردود الأفعال بالرؤية، لكي يتمكن الفلسطينيون من تحويل تضحياتهم إلى أوراق رابحة.
في الذكرى الخمسين لانطلاقة "فتح"، لم يعد يليق بالحركة أن تصبر على صدأ يعتريها. المقبل من الأيام هو الذي سيحدّد أي نوع من الحال ينبغي لها أن تختار. فالطريق طويل والرمل كثير والعمر قصير، ولن يفعل مناضلو "فتح" شيئاً إن فشلوا في الحفاظ على الحركة التي تشبههم ويفخرون بها!
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية